محمد عبد الفتاح - مصر
دأبت وسائل الإعلام فى الفترة الأخيرة على تصوير العالم العربى وقد تعرض ويتعرض دائما لخطر من جهة إيران، وأن هناك مخططات إيرانية لمد نفوذها داخل العالم العربى .
حتى صار المواطن العربى - من كثرة الطرق الاعلامى لهذا الأمر - يتخيل نفسه وهو بين مدين ، كل منهما يريد الاستيلاء عليه، واحتوائه ، والاستيلاء على عقله وفكره فضلا عن حريته ومقدراته ..
المد الأول هو المد الصهيونى المتثمل فى إسرائيل وكبيرتها أمريكا التى ربطت مصالحها بإسرائيل على طول الخط .
والثانى هو المد الشيعى والذى تمثله إيران وصنائعها فى العالم العربى - كما يدعون - المتمثلين فى شيعة العراق ولبنان.
والحقيقة أننا لا نستطيع فى ظل معطيات الواقع أن ننكر أن لإيران مشروعات نفوذ داخل العالم العربى ..
وقد أكد هذه الحقيقة ما صرح به حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبنانى قبيل الانتخابات اللبنانية ردا على تخويف تيار الموالاة فى لبنان الشعب اللبنانى من حرمانه من المعونات الأمريكية إذا صوت فى الانتخابات لصالح المعارضة وحزب الله صرح – نصر الله - بأنه إذا فاز فى الانتخابات التشريعية فان الاستثمارات الإيرانية ستتدفق على لبنان من أوسع الأبواب ومع اعترافنا بأن الشيعة الإيرانية وشيعة حزب الله مبتدعون فى كثير من أمور العقيدة والعمل فى الإسلام ، إلا أننا يجب أن نظر بعين العقل تجاه المدين والنفوذين وأن نتساءل أيهما أخطر علينا وعلى مصالحنا ؟ لقد سارت نبرة الهجوم على حزب الله وإيران فى الآونة الأخيرة بشكل حاد ، وجاء هذا الهجوم من فئتين :
الفئة الأولى هى دول الاعتدال والعلمانيون والليبراليون العرب، الذين ينظرون إلى الحكم الإيراني بعين الريبة لخلفيته الدينية والإسلامية - أيا كان الاتفاق أو الاختلاف حول هذه الخلفية ومدى صحتها أو بطلانها- وهم فى ظل هجومهم لكل ما هو إسلامى أولا، ولكل ما يهاجمه أسيادهم من الغرب والصهاينة ثانيا ، يقومون بهذا الدور خير قيام .
كما أنهم فى ظل التحالف بين دول الاعتدال التى ربطت مصالحها بمصالح الصهاينة والأمريكان، يقومون بالهجوم الحاد على إيران وحزب الله إرضاء لحلفائهم وأولياء نعمتهم من ناحية، وتحويل لشعوبهم نحو عدو وهمى بعيدا عن العدو الحقيقى من ناحية أخرى.
والفئة الثانية التى ركبت موجة الهجوم، هؤلاء المحسبون على التيار السلفى، والذى وجد ضالته فى الرضا الضمنى من الأنظمة العربية للهجوم وتشجيعه، وهولاء كما خبرناهم فى كثير من المواقف والقضايا لا يجيدون إلا المعارك الجانبية ومع أعداء وهميين.
وبالمناسبة فقد وقف أحدهم على صورة معلقة للشيخ أحمد ياسين – إبان اغتياله - على إحدى الجدران فى مدينته مكتوب عليها فزت ورب الكعبة وصرخ بأعلى صوته : من يجزم بأنه فاز ومن قال أنه شهيد، وقام بهمة عالية وجهد منقطع النظير بخرق عينيه فى الصورة حتى يذهب معالمها، بحجة أن التصوير حرام، وأن هذا منكر تجب إزالته .
فهل يستطيع إن كان الأمر كذلك أن يذهب إلى أحد التماثيل المنتصبة فى الميادين المختلفة للزعماء والقادة فيكسر ولو إصبعا واحدا من يديه ؟!!
وهؤلاء خصصوا مساحات واسعة من مجلاتهم ومنتدياتهم ومواقعهم الالكترونية لهذا الهجوم الحاد، حتى خلنا أن إيران قد تحركت بجيوشها لذبح المسلمين السنة فى بلاد العرب.
أنا لا أدافع عن إيران، ولا أتفق مع توجهاتها السياسية والعقدية ، ولا أنكر أنهم مبتدعون فى كثير من الأمور، لكن مجال هذا النقد البحث العلمى الرصين الهادىء.
أما المواقف السياسية فما هكذا تورد الإبل إن إيران رغم محاولة مد نفوذها فى العالم العربى، إلا أنها ليست بأى حال أشد خطرا علينا من اليهود والأمريكان .
إن المشروع الصهيوأمريكى مشروع استيطانى عنصرى توسعى بالدرجة الأولى، وهو لا يبقى ولا يذر من أجل الوصول إلى هدفه وتحقيق أطماعه.
فهل ننسى عدونا الحقيقى ونصفق له بشكل هستيرى عندما يبدأ كلامه معنا بالسلام، أو يتلو علينا بعض آيات القرآن، وتصل تفاهتنا إلى درجة أن يقوم أحد الممثلين التافهين فى نشوة وخدرة الخطاب المشئوم ليهتف بأعلى صوته " بنحبك يا أوباما " .
ونرقص ونتراقص بسيف الفتوحات مع من قتل أطفالنا، ودمر بيوتنا، وداس كرامتنا، ومقدساتنا.
ثم نصرخ بأعلى أصواتنا بلهجة المستغيث المستجير ..أغثيونا إيران على الأبواب، حزب الله أخطر علينا من اليهود !!
إننا بحاجة ماسة إلى مراجعة فقه الأولويات، ومعرفة الواقع معرفة واعية إن كنا حقا نملك قرارنا ، لندرك أيهما أخطر علينا وأحق بالمواجهة إيران وحزب الله أم اليهود والأمريكان ؟