كانت مصر مطالبة بدفع ٢٠٨٤ مليون دولار «في ١٩٧٥ وحدها» سداداً لأصل
وفوائد الديون قصيرة الأجل التي كانت تشكل نحو ثلث إجمالي القروض المصرية
وكانت أسعار فوائدها تتجاوز أحيانا ١٥% وكان هذا المبلغ «٢٠٨٤ مليون
دولار» يعادل ٧٨% من حصيلة الصادرات المصرية كلها في ذلك العام. شهدت تلك
السنة «١٩٧٥» والسنة التي تلتها جولات متعاقبة للرئيس السادات ولرئيس
الوزراء ووزراء المالية والاقتصاد المصريين في دول الخليج يرجون فيها
زيادة حجم المعونات العربية المقدمة لمصر، مستخدمين كل ما يمكن استخدامه
من حجج، من بطولة الجيش المصري في حرب أكتوبر إلي ما قدمته مصر من تضحيات
للقضية الفلسطينية إلي ما تؤديه العمالة المصرية من خدمات لتنمية دول
الخليج، ولكن دون طائل فقد كان رد حكومات النفط في ذلك الوقت، أن هذا الذي
نقدمه هو أقصي ما نستطيع، وأنه حتي لو كان باستطاعتنا تقديم المزيد فإنه
ليس لدينا ما يضمن أن مصر سوف تحسن استخدام ما نقدمه من معونات كانت هناك
أيضا تلميحات إلي ما يسود تصرفات الإدارة المصرية من فساد وتبديد وهي أمور
كانت حكومات النفط العربية آخر من يحق له أن يشير إليها، كانت هناك أيضا
ردود تعلمتها حكومات النفط من رجال البنك الدولي والمؤسسات الدولية، مثل
القول بأن تقديم المساعدات لدعم ميزان المدفوعات يساعد علي التبديد وأن
الأفضل تقديم مساعدات لتمويل مشروعات بعينها يتفق عليها ولكن مصر للأسف
«هكذا قيل» لا تتوافر لديها كمية كافية من دراسات الجدوي، لم يكن الأمر في
الحقيقة إلا أن حكومات دول النفط، لم تكن قد تلقت بعد إيماءة الموافقة من
الولايات المتحدة وهيئات المعونة الدولية بزيادة حجم معوناتها لمصر، ولم
يكن هذا ليتم إلا إذا أظهرت مصر استعدادها نهائيا لقبول توجيهات صندوق
النقد الدولي ولاتخاذ خطوة حاسمة في اتجاه عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل
وهو ما حدث بالفعل بقيام السادات بزيارة القدس في ١٩٧٧ ثم بتوقيعه اتفاقية
السلام مع إسرائيل في ١٩٧٩. عندما حدث حادث المنصة الذي أودي بحياة
السادات في ١٩٨١ كانت ديون مصر الخارجية قد زادت إلي ثلاثين بليون دولار
بالمقارنة بخمسة بلايين دولار عند وفاة عبدالناصر أي أن إجمالي مديونية
مصر الخارجة بمختلف أنواعها «المدني والعسكري، العام والخاص، وذات الأجل
الطويل والمتوسط والقصير» تضاعف خلال حكم السادات نحو ست مرات لم يكن هذا
الدين أكبر فقط من ديون الخديو إسماعيل الشهيرة في حجمه المطلق، فهذا
بديهي «٣٠ بليون دولار بالمقارنة بـ٩١ مليون جنيه في حالة الخديو إسماعيل»
بل كان أيضا عبئا أكبر بكثير سواء قيس هذا العبء بنسبة الديون إلي الدخل
القومي أو بنسبة خدمة الديون «الأقساط والفوائد» إلي حصيلة مصر من العملات
الأجنيبة. وزاد الطين بلة أنه بتوقيع السادات لاتفاقية السلام مع إسرائيل
في ١٩٧٩ توقفت البلاد العربية عدة سنوات عن منح أي معونة لمصر «عقابا» لها
علي هذا السلوك المشين فإذا بكل الظروف تدفع مصر دفعا إلي الارتماء في
أحضان الولايات المتحدة وإلي الاعتماد علي ما تقدمه لها من معونات. في
الفترة «١٩٩٤ - ٢٠٠٤» لم تزد ديون مصر الخارجية إلا بمقدار ٥.٤ بليون
دولار «فوصلت إلي ٢٩.٤ بليون» أي بنحو ٢٢% في عشر سنوات الديون الخارجية
لم تعد في نهاية عصر مبارك مشكلة ملحة، أو حتي مشكلة مطروحة علي الإطلاق،
مثلما كانت في بداية عهده، فحجم الدين الخارجي في سنة ٢٠٠٤ لم يكن يمثل
أكثر من ٣١.٢% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة بـ١٤١% في بداية عهد
مبارك، ولا يمثل عبء خدمة الديون في سنة ٢٠٠٤ أكثر من ١٠% من مجموع قيمة
صادرات مصر من السلع والخدمات بالمقارنة بـ ٢٨% في ١٩٨١